ومن صفات الإمام ودوره في المجتمع
الأخلاق الحسنة والدعوة إلى الله : النبي صلى الله عليه وسلم ضرب أمثلة حية للأخلاق الحسنة ، كيف لا ، وقد قال الله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم4 ] .
وعندما بال الأعرابي في المسجد قال لأصحابه : دعوه ، ولم ينهره ولم يضربه ولم يوبخه ، بل اسمع ماذا قال الأعرابي : " فقال الأعرابي بعد أن فقه : فقام إلي بأبي وأمي ، فلم يؤنب ولم يسب ، فقال : " إن هذا المسجد لا يبال فيه ، وإنما بني لذكر الله ، وللصلاة ، ثم أمر بسجل من ماء فأفرغ على بوله " .
والأعرابي الذي جبذ النبي صلى الله عليه وسلم ببردته وأثر ذلك في رقبته الطاهرة عليه الصلاة والسلام ، فما ضربه ، وما سبه ، وما أمر بذلك ، بل همَّ الصحابة بالرجل ، فمنعهم وتبسم في وجه ، وأعطاه من العطاء والبذل ، والأمثلة على ذلك كثيرة .
فهل نحن نتحلى بمثل هذه الأخلاق العظيمة ؟ نتمنى ذلك ونرغب إلى الله فيه .. بينما يوجد من الأئمة من نفسه قد بلغت الحلقوم ، فلا يطيق نفسه فضلاً عن أن يطيق غيره ، وتراه سيء الأخلاق مع الناس في حيه ومجتمعه ، ومع ذلك هو إمامهم ، فكيف يكون هذا الإمام قدوة لغيره ؟
أيها الأخوة . . لا أقول كلاماً جزافاً ، ولا أتخرص القول ، بل هي حقيقة من واقع الحال ، هناك أئمة يهددون ويتوعدون المصلين باتخاذ قرار ما ..
ويتحدى بالبقاء في مسجده ويقول : من أراد الصلاة فهذا المسجد ، ومن لم يرد فالمساجد كثيرة ، فتراه مخلاً بالصلاة ، يتأخر عن مسجده ، يغيب أوقاتاً ويترك الناس بلا وكيل يؤمهم عنه ، وربما رأيته متكبراً متغطرساً ، لا يُلقي لأحد بالاً ، ولا يلتفت إلى من يكلمه ، بل يُعرض عنه بكل أنفة وتعالي .
ولو بحثنا عن سبب كراهة الناس له ، لوجدنا أن الحق معهم ، فهو يصلي ولا يتحدث مع الناس ، ولا يأمرهم بالمعروف ، ولا ينهاهم عن المنكر ، ولا يوجه ، ولا يرشد ، ولا يتحدث مع أحد ، بل تراه منطوياً منزوياً ، لا يعرف أحداً من حيه غير المؤذن ، وربما كانت بينه وبين المؤذن شحناء وبغضاء .
فهذا الإمام قدوة سيئة ، ومثالاً لا يُقتدى به ، بل لو تحدث لن يسمع له أحد ، وتراه يثير الشحناء والبغضاء بين الناس والعياذ بالله ، وإني أذكِّر إخواني الأئمة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " من أمَّ قوماً وهم له كارهون ، فإن صلاته لا تجاوز ترقوته " [ أخرجه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 6012 ] .
وقد وجد من الأئمة من همُّه ومناه ، وغاية دنياه الحصول على المال - نسأل الله السلامة - .. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ترفع لهم صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً : رجل أم قوماً وهم له كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وأخوان متصارمان " [ رواه ابن ماجة وحسنه الألباني ] .
فيجب على الإمام أن يتحمل أهل حيه وينصحهم ويرشدهم ويحبهم ويحبونه ، حتى يعقلوا عنه ما يريد ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى جميل يحب الجمال ، ويحب معالي الأخلاق ، ويكره سفسافها " [ أخرجه الطبراني في الأوسط ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1743 من حديث جابر رضي الله عنه ] .
النصيحة : كما قيل : كانت النصيحة قديماً تُشترى بالمال ، واليوم تقدم النصيحة مجاناً رجاء ثواب الله تعالى ، ولا تجد من يصغي لك ، أو يتقبل منك ، وهذا من الجهل المطبق والعياذ بالله .
الله عز وجل أمرنا بالنصيحة ، وأمرنا بالتعاون فيما بيننا ، فقال سبحانه : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [ المائدة2 ] .
وحثَّ على النصيحة لكل شرائح المجتمع نبيّ الأمة عليه من ربه أفضل الصلوات ، وأزكى السلام والتحيات ، عن تميم الداري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الدين النصيحة ثلاثاً . قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " [ رواه البخاري ومسلم ] .
الخطأ أمر غريزي في بني الإنسان ، ولا ينفك عنه أحد ، لأن العصمة من ذلك لله ولرسله صلوات الله وسلامه عليهم .. وهناك من الأئمة من يكثر خطؤه ، ومع تقديم النصيحة له ، فتراه متعالياً متكبراً ، لا يسمع نصيحة وكأنه معصوم من الخطأ ..
ومنهم من لا يهتم بالنصيحة ، حيث يغلب عليه الجهل ، فلا يهتم بخطئه ، بل يستمر عليه دون أدنى اهتمام ، ولا ريب أن ذلك من الغفلة ، والجهل الذي يصب في قالب البعد عن دين الله تعالى ، وإلا فالحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها أخذ بها .
فيجب على الإمام أن يكون قدوة في كل شيء ، يقبل النصيحة من غيره ، كما يُحب أن يقبلها غيره منه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " المؤمن مرآة أخيه ، إذا رأى فيها عيباً أصلحه " [ حسنه الألباني رحمه الله ] .
وهناك من الأئمة من يقرأ القرآن بغير ما أنزل الله ، فيحرف المعنى تحريفاً واضحاً بيناً ، فهذا عليه كفل من الإثم ، وهو داع إلى الخطأ تعمداً جلياً ، وهو ممن يسنن السنن السيئة للناس ، وهو من دعاة الضلالة ، الذي يعلم الناس الشر بدل الخير والعياذ بالله ..
وإني أوصي إخواني الأئمة بأن لا يتقدموا لطلب هذا المنصب الإيماني النبوي العظيم حتى يتقنوا كتاب الله عز وجل حفظاً وتمكناً ، وأن يكون هذا الحفظ على أيدي المشائخ القراء الذين حفظوه شفة من شفة إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ..
هكذا فلتكن الإمامة ، وما عدا ذلك من اللهو واللعب وحب الدنيا وجمع الأموال ، فهو أمر ينتج عنه عواقب وخيمة ، ونتائج سيئة - نسأل الله العفو والعافية - .
ألا فاعلم أيها الإمام أن ما تقرؤه للناس خطأ ربما حفظه منك جهلتهم وعوامهم ، وظنوه هكذا أنزل ، فتكون آثماً ، ولا عيب إذا قُدمت لك النصيحة أن تقبلها ، ومن أعظم النصائح وجوب التحاق الأئمة بحلقات التحفيظ ، لضبط الحفظ ، وسلامة النطق ، فالإمام مؤتمن على كل شيء في المسجد من صلاة وقراءة وصدق وإخلاص ..
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه ولا عليهم " [ أخرجه البيهقي وغيره ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2786 ] ، وكان رضي الله عنه يقدم فتيان قومه وهو أعلم منهم خوفاً من تبعة هذا الحديث ..
واليوم تجد المتقدمين للإمامة أكثر من أن يحصون عدداً ، كلهم يريد الحصول على الإمامة وليس لديه من فقهها شيء ، ولا يحفظ من كتاب الله إلا جزءاً أو اثنين ، مع ما فيهما من الأخطاء ، فلنتق الله أيها الأخوة في الله ، ولنراجع أنفسنا ، فما هذه الحياة الدنيا إلا أيام ، ثم ننقلب إلى عالم الخفايا ، للجزاء والحساب .
التسول : ظاهرة خطيرة مؤلمة تشهدها مساجدنا ، لم يألفها من كان قبلنا ، ولكن عندما ابتعد الناس عن دينهم ، وضعف وازع الدين ، انتشرت ظواهر سيئة ، وتفشت عادات باطلة في أوساط المسلمين ، ومنها ظاهرة التسول .
وبحكم تعاملي مع المتسولين أثناء وجودي في الإمامة اتضح لي ولجميع المصلين معي ، أن كل من جاء للتسول لدينا في الجامع لم يكن بحاجة للتسول ، بل منهم من لديه من الأموال ما يبلغ الملايين ومئات الآلاف من الريالات ، ولكنه دأب على التسول والحصول على المال بطرق سهلة ، يريق ماء وجهه ، ليحصل على حفنة قذرة من المال الذي هو وسخ الحياة .
فلما رأيت كثرة المتسولين ، رأيت أن من واجبي التعاون مع الأجهزة المعنية بذلك ، كمكافحة التسول ، فكنت إذا أتى المتسول وبدأ بعرض قصته المختلقة على الناس ، واستعطافهم لاستدرار ما ليدهم من مال ..
أتصل فوراً برجال المكافحة ، فينتظرونه على الباب لحين خروجه ، فيحتملونه إلى مقر المكافحة وبالتحقيق معه يتضح أنه كاذب في دعواه ، وفي اليوم التالي أُذكَّر الناس به ، وأبين لهم ما حصل بالأمس ، وهكذا كان تعاملي مع المتسولين والمتسولات ، حتى قضيت تماماً على هذه الظاهرة السيئة .
وعلى الإمام أن يقوم بواجب النصيحة للمتسولين بتذكيرهم بالله تعالى ، وأن التسول ظاهرة غير لائقة بحق من ليس بمستحق ، ويخوفه بالله ، ويذكره بالأدلة والنصوص الشرعية الخاصة بذلك ، ويحث أهل جماعة المسجد بأن لا يعطوا المتسولين حتى يتم التأكد من حاجتهم الفعلية ، وذلك بالإتيان بمشهد من مكافحة التسول ، أو رئيس المحكمة تُبت أهلية المتسول لطلب المساعدة من الناس ، وإلا فلا يُفتح الباب ، لأنه إن فتح لم يغلق .
وأحذِّر من النساء المتسولات ، فجلهن داعيات إلى الفسق والجريمة ، وأكثرهن مغلوبات على أمرهن ، فلا يدفع لهن شيء ، بل يُرفع أمرهن إلى الهيئات ، والجهات ذات الاختصاص .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة فأجاب رحمه الله بما نصه : " أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة ، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحداً بتخطيه رقاب الناس ، ولا بغير تخطيه ، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ، ولم يجهر جهراً يضر الناس ، مثل أن يسأل الخطيب والخطيب يخطب ، أو وهم يسمعون علماً يشغلهم به ، ونحو ذلك جاز والله أعلم .
وقال السيوطي : " السؤال في المسجد مكروه كراهة تنزيه ، وإعطاء السائل فيه قربة يثاب عليها ، وليس بمكروه فضلاً عن أن يكون حراماً " .
وما ذكرته من وقائع وشواهد ، لهي خير دليل على تحريم السؤال اليوم في المساجد ، لما نعلمه من حال أولئك المتسولين ، وأن فيهم كذب ودجل وترويج على الناس ، لاستدرار أموالهم ، وما نعلمه من حقيقة كثير من النساء اللاتي يأتين إلى المساجد بدفع من أقربائهن للشحاذة وإراقة ما الوجه وهي كاذبة فيما تدعيه ، وتظهره من صكوك مصورة مزورة _والعلم عند الله تعالى _ لكن هذا هو الظاهر ، وهذا هو الذي دلت عليه تحقيقات الجهات المختصة .
بل رأينا سيارات فارهة وباصات تقف بجوار المساجد ، ويخرج منها نساء الله أعلم بحالهن ، بدافع التسول والشحاذة ، وهي بلا شك عصابات ومافيا تعمل ليل نهار لأكل أموال الناس بالباطل .
فهنا يجب على أفراد المجتمع بجميع شرائحه أن يقفوا وقفة صادقة ، يداً واحدة ، يحاربون هذه الأعمال الشنيعة ، والأفعال الفظيعة ، وأن يقطعوا دابرها ، ولا يتم ذلك ، إلا إذا وقف الأئمة وقفة واحدة للتصدي لتلكم الفئة الضالة عن طريق الحق ، ومنعها من التسول في بيوت الله التي بنيت للعبادة دون سواها .
الجوال : الجوال نعمة من نعم الله تعالى أُسيء استعمالها من قبل كثير من الناس اليوم ، بحيث أصبح يُستخدم الجوال في بيوت الله تعالى ، التي هي بيوت لذكره وعبادته وقراءة القرآن ، وإقامة المحاضرات والدروس العلمية ، وليست مكاناً لعرض أنواع الموسيقى ، واستعراض أنواع الجوالات .
فهناك فئة من المسلمين للأسف الشديد غلب عليهم الشيطان والهوى واتباع الشهوات والشبهات ، فساقهم ذلك للوقوع فيما حرم الله ، فاستخدموا الجوال حتى في بيوت الله عز وجل ، فضلوا وأزعجوا ونفروا .
ولقد جاءت فتاوى العلماء متضافرة في تحريم استخدام الجوال في المساجد ، لاسيما إذا اقترنت به الموسيقى ، فواجب المسلم حيال ذلك ، أن يتبع علماءه ، ولا يحيد عنهم طرفة عين .
ولقد رأينا الكثير من الناس بل كلهم إذا دخل على أحد المسؤولين أو الأمراء ، نراه يضع جواله مع أحد الموجودين خارج المكان المراد دخوله ، ومنهم من يتأكد من إغلاق جواله عدة مرات ، فسبحان الله ، انظر كيف هذه الغفلة عن مقام رب العالمين ، عند المخلوق يغلق الجوال ، وعند الخالق لا يقام له وزن ، ولا يهتم بهذه المقابلة التي يترتب عليها الأجر والثواب ، والوزر والعقاب ، فهنالك سفهاء من الناس لا يدركون خطورة الوضع .
بينما نرى من التجار أصحاب رؤوس الأموال المقدرة بالملايين ، وكثير من المسؤولين ، وهم يغلقون جوالتهم عند دخولهم إلى المساجد ، بينما أصحاب الديون ومن ليس لهم دور في المجتمع تراه يكابر ويعاند ، ولا يغلق جواله مع وجود التنبيهات عبر الملصقات الموجودة في المساجد .
فواجب الإمام أن ينكر هذا المنكر المستحدث ، وينبه المصلين بعد كل نغمة جوال يسمعها ، ولو استمر على ذلك كل فرض وكل يوم حتى يقضي على هذه الظاهرة المنكرة .
وهناك أحد الأئمة فعل ذلك ، واليوم مسجده خال تماماً من أصوات الجوالات المزعجة .. فإن ترك الأئمة هذا المنكر ولم ينكروه ، أصبح مألوفاً لدى الناس بعد فترة من الزمن ، ومن ينكره بعد ذلك ربما عاداه الناس ، وأضمروا له البغضاء ، فالمنكر إن لم يُنكر أصبح كالسنَّة عند جهلة الناس وعوامهم ..
فيجب على الإمام أن ينكر كل منكر في مسجده ، حتى يألف الناس ذلك من إمامهم ، ويعرفون أنه لا يقبل بمنكر في مسجده وحيه ، فيصبح التعاون هو سمتهم ، والتآلف هو دأبهم ..
فالله الله أيها الأئمة قوموا بواجب إنكار المنكر ، والأمر بالمعروف فيما ائتمنتم عليه ، فما نالت هذه الأمة الخيرية من ربها إلا بذلك ، قال تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } [ آل عمران110 ] .
الصغار : الصغار هم ناشئة اليوم ، وشباب الغد ، وعماد المستقبل ، فينبغي أن يكون لهم جزء من وقت الإمام لتعليمهم وتأديبهم وإرشادهم ، فهناك من الأولياء من لا يهتم بأبنائه ويترك لهم الحبل على الغارب ، يتركهم يلعبون ويؤذون المصلين ، ويزعجون أهل الحي ، غير مدرك ذلك الأب لمغبة النتائج ، وسيء العواقب ..
فكان لزاماً على الإمام أن يتوجه بالإرشاد والتوجيه لهم لاسيما وأنهم أطفال قُصَّر لا يفقهون ولا يقدرون ما يحصل منهم من أذى للمسلمين .
فمن متطلبات الإمام نحو هذه الفئة أو الشريحة من المجتمع ، أن يقيم لهم حلقات التحفيظ ، وزيارة الآباء لنصحهم وتذكيرهم بأمر الله تجاه أبناءهم ، دون التشهير بهم عبر المكبرات وفي حضور الجماعات .
كما لا يغفل الإمام عن اللطف والحب والعطف لأولئك الأطفال ، حتى يقبلوا منه ما يقول ، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فإذا لقيهم سلم عليهم ، وسأل عنهم ، وإذا مرض أحدهم زاره وعاده ، ليغرس في نفوس الناشئة حب الخير ، ومعرفة مدى فائدة التآلف والتراحم والتلاحم بين أفراد المجتمع الواحد .
وينبغي على الإمام تحمل الأذى الذي يحصل من قبل بعض الأطفال في المساجد ، ولا يعنف ولا يزجر ، ولا يوبخ ، بل ينبغي أن يكون صدره رحباً متسعاً لهم ، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع الحسن والحسين ، ومع أمامة بنت ابنته زينب رضي الله عنهم أجمعين .
فالله الله بالرفق واللين واللطف مع أولئك الصغار حتى يحبوا المسجد ويألفوه يحبوا أهل الخير ، فما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نُزع من شيء إلا شانه .
المرأة : المرأة مدرسة ومحضن للأطفال ، وينبوع يستفيد منه الأبناء ، فكان لزاماً أن تحاط بمزيد الرعاية والاهتمام ، ومن ذلك دعوت بعض الداعيات لإلقاء المحاضرات لهن .. وإلحاقهن بمدارس تحفيظ القرآن الكريم .
كما ينبغي عمل مطويات وكلمات تخص المرأة ، فهي المستهدفة اليوم من قبل أعداء الملة والدين ، ومن تبعهم من العلمانيين والليبراليين ، الذي يهدفون إلى إخراج المرأة من سترها وعفافها وحيائها ، لتكون ألعوبة بأيدي العابثين بالأعراض ، واللاهثين وراء الشهوات .
فيجب على الأئمة توضيح ذلك للنساء وأولياء أمورهن ، وألا ينخدعوا بما يقال عبر الفضائيات من قبِل فئة ضالة خارجة عن تعاليم الدين وتوجيهاته وآدابه ، ممن رضعوا أفكار الغرب ودرسوا فيه ، ثم عادوا لبلدهم متنكرين للجميل ، داعين إلى كل سوء ومنكر من القول والعمل - نسأل الله السلامة من ذلك -
فعادوا أبواقاً للغرب الكافر ، يدعون لتحرير المرأة من دينها وحجابها وجلبابها ، لتكون عارية وفريسة للذئاب البشرية ، ممن يسعون وراء النزوات البهيمية ، وإشباع الغرائز الحيوانية ، بأفكار شيطانية ، ابتدعوها من تلقاء أنفسهم .
جاءوا لبلادهم بأفكار مسمومة ، وأدمغة مغسولة ، يدعون للحرام ، ويرغبون في ****** ، ضاربين بأوامر الدين ونواهيه عرض الحائط ، لا يأخذون إلا ما يوافق رغباتهم ، ويسكن شهواتهم ، قاتلهم الله من قوم .
فيجب على الإمام أن يحذر نساء المسلمين من خطورة الوضع اليوم ، فهناك حملة دنيئة ، وهجمة بذيئة ، على المرأة المسلمة ، يخدعونها بكلام معسول ، باستقطاب رجال ونساء لا يدينون لله بدين ، فيتفيهقون ويتشدقون بكلام بذيء يدعون من خلاله المرأة إلى الاختلاط والتبرج والسفور ، وتقليد نساء الكفرة والفجور ، عبر برامج فضائية يقودها زمرة من العلمانيين التغريبيين ، الذي يدعون المرأة إلى النار ، ومعصية الواحد القهار .
فعلى الإمام أن يبين الأدلة من القرآن والسنة التي تبين وجوب تغطية المرأة لوجهها بحضرة الرجال الأجانب ، وكذلك النصوص الواردة في التحذير من الاختلاط أو محادثة الرجال الأجانب والتكسر معهم في الكلام .
وكذلك تحذير المرأة من السفر دون محرم ، أو الخروج مع السائق دون محرم ، ولو كان لمتر واحد ، وتحذيرها من ارتياد الأسواق بلا حاجة ماسة تدعوها لذلك ، لأن في خروجها بلا محرم خطر عليها من الغرباء الأدنياء .
فيجب على المرأة المسلمة أن تعي ما يُحاك ضدها ، وما يدور حولها من هجمات شرسة وخسيسة ، وحرب شعواء تتربص بها الدوائر ، لاستغلالها واللعب بجسدها .
ومما تأسف له النفوس أن هناك ثلة من النساء وقعن ضحية لتلك الحروب والهجمات ، مع مباركة وتأييد من قبل أولياء أمورهن ، غير نبالين بالنتائج السيئة المترتبة على ذلك ، وهاهي المرأة في الخارج تعاني الأمرين عندما فقدت حجابها ، وخرجت من بيتها ، فهاهن يعقدن المؤتمرات ، ويدلين بالتصريحات للمطالبة بعودة الحجاب ، والقرار في البيوت ، وأنى لهن ذلك ؟
كما يجب التنبيه على بعض الألبسة السخيفة المخالفة لتعاليم الشريعة ، كالقصير ، والضيق ، والبناطيل ، وشبه العارية ، وتحذير الأمهات من لباس الصغيرات ، فمن شب على شيء شاب عليه ، وما حوادث الخطف وفعل الفاحشة بالفتيات الصغيرات إلا نتيجة حتمية لمعصية رب البرية ، فخذوا حذركم .
فيجب أن نأخذ العبرة من غيرنا ، وألا نكون نحن عبرة لغيرنا ، كل ذلك يتوجب على الإمام نقله لأهل حيه ، لإبراء ذمته أمام ربه وخالقه ، وأداء لأمانة الإمامة المنوطة به .
الشباب : الشباب هم عماد الأمة ، وقلبها النابض ، وصمام الأمان لكل شعب من الشعوب ، فإذا ما انحرف الشباب تاهت الأمة ، وضعفت ، وخارت قواها ، واستولى عليها أعداؤها ، وهذا أمر مشاهد وواقع لا ينكره أحد .
ولما عرف الأعداء قوة شباب الإسلام ، ومقدرتهم على الدفاع عن دينهم ووطنهم ، وولاة أمرهم ، والدفاع عن أعراضهم ، دأبوا إلى بث القنوات الفضائية التي تدعوا إلى الإباحية ، وكذلك عبر الشبكات المعلوماتية ، عبر الإنترنت ..
وياللخسارة الفادحة والمؤلمة ، أن هناك ثلة من الشباب انقاد انقياداً غير مسبوق إلى ما يبثه الغرب من أفلام وصور ومناظر ومشاهد محرمة ، مميتة للعقيدة ، تغتال الدين في القلوب ، وتجعل الشاب مسيَّراً لا مخيَّراً فيما يشاهد - فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون - .
لقد خطط الأعداء ، ووقع شبابنا في الفخاخ ، وترنحوا في المصائد الشهواتية ، فتراهم سكارى وما بسكارى ، ولكن تأثير المعروض أذهليهم ، حتى تركوا الصلوات ، وعصوا رب البريات ، وعقوا الآباء والأمهات ، تنكروا لوطنهم ، تنكروا لدينهم _ نسأل الله اللطف _ اللهم استر يا ستير .
أضحت صورهم وكأنها نسخة طبق الأصل من شباب الكفر والعهر ، جِلّ على الشعور ، مكياج على البشرة ، ربطات حول الأعناق ، سلاسل حول الأيدي ، سراويل قصير فوق الركبة ، تلاعن وتهارش في القول والكلام ، لبان يدل على الميوعة والأنوثة ، ألسنة تلعن ربها ودينها ، وتسب نبيها صلى الله عليه وسلم - اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا - .
فيجب على الأئمة أخذ ذلك بعين الاعتبار ، والأخذ بأيدي الشباب ، فقد ضلوا السبيل ، وتنكبوا طرق الفساد ، فلابد من التوجيه الهادف ، والإرشاد الصادق ، لفئة الشباب ، ففيهم من الخير ما الله به عليم ، ولكن يحتاج هذا الخير إلى من يوجهه التوجيه السليم ، تحت مراقبة لصيقة لعدم النكوص على الأعقاب .
فمن واجب الإمام أن يقوم بزيارة هؤلاء الشباب في منازلهم والجلوس معهم بعيداً عن أهليهم ، حتى لا يحصل الإحراج ، وتقع النفرة ، فربما لم يتقبل الولد من واليده نصيحة ، وهذه نتيجة حاصلة بسبب ما يُشاهد من فضائيات ، وبسبب سن المراهقة ، وحب السيطرة ، وعدم تقبل النصيحة للإحساس بالرجولة ، فينبغي على الإمام إدراك ذلك ، واستشارة أهل الاختصاص في كيفية التعامل مع هذه الشريحة الهامة من المجتمع .
كذلك القيام برحلات برية وبحرية ، لإخراجهم من جو الحي والمنزل والمدرسة ، إلى جو يهيئ لهم الذهن الصافي المتوقد ، لانتشالهم من براثن الشياطين ، ونقلهم إلى حياض الدين السليم .
كذلك القيام بزيارة الحرمين الشريفين وحضور الدروس العلمية هناك ، وزيارة الدعاة والعلماء والاستفادة من توجيهاتهم ، فالمرء على دين خليله ، فمن كان أصدقاؤه صالحين أصبح صالحاً ، ومن رافق الطالحين خاب وخسر .
فأهيب بإخواني الأئمة الاهتمام بالشباب وتقديم كافة الرعاية لهم ، وذلك بتعاون كثير من المؤسسات والأفراد والأغنياء في ذلك ، فالله مع الجماعة .
فكم رأينا من شباب يلعبون الكرة بجانب المساجد ، وآباؤهم فقدوا زمام التربية ، فتخلوا عن التوجيه والإرشاد ، وتركوا ذلك للشوارع .
ورأينا شباباً على أعتاب المنازل والناس يصلون ، ورأينا شباباً داخل دورات المياه أثناء الصلاة للعلب والعبث والتدخين ، والمصيبة العظمى أن الإمام يمر بهم ولا ينصح ولا يوجه ، وكأن الأمر لا يهمه ، فيا الله ما هذه الغفلة ؟ أين الضمان الذي ألزمك الله به .
الإصلاح : كم من المشاكل والمصادمات التي تقع في كل بيت ، فلا يخلو منها منزل ولا حي ولا عمل ، فاختلاف وجهات النظر غالباً ما تسود بين الناس ، لكن العاقل الفطن ، يعلم علم يقين أن اختلاف وجهات النظر ، لا تُفسد للود قضية ، فإذا اختلفنا فنحن إخوة ، فكل له رأيه ، ولست ملزماً باتباع رأيك مادام أني أرى أني رأيي هو الصواب ، والعكس صحيح ..
وكما قيل : " رأي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب " ، وقد قال تعالى مبيناً اختلاف الناس : { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود118 -119 ] .
فمنشأ المشاكل بين الناس هو استيلاء الشيطان عليهم ، ووجود فرقة من الناس من دأبت على الغيبة والنميمة والإفساد بين الناس
الأخلاق الحسنة والدعوة إلى الله : النبي صلى الله عليه وسلم ضرب أمثلة حية للأخلاق الحسنة ، كيف لا ، وقد قال الله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم4 ] .
وعندما بال الأعرابي في المسجد قال لأصحابه : دعوه ، ولم ينهره ولم يضربه ولم يوبخه ، بل اسمع ماذا قال الأعرابي : " فقال الأعرابي بعد أن فقه : فقام إلي بأبي وأمي ، فلم يؤنب ولم يسب ، فقال : " إن هذا المسجد لا يبال فيه ، وإنما بني لذكر الله ، وللصلاة ، ثم أمر بسجل من ماء فأفرغ على بوله " .
والأعرابي الذي جبذ النبي صلى الله عليه وسلم ببردته وأثر ذلك في رقبته الطاهرة عليه الصلاة والسلام ، فما ضربه ، وما سبه ، وما أمر بذلك ، بل همَّ الصحابة بالرجل ، فمنعهم وتبسم في وجه ، وأعطاه من العطاء والبذل ، والأمثلة على ذلك كثيرة .
فهل نحن نتحلى بمثل هذه الأخلاق العظيمة ؟ نتمنى ذلك ونرغب إلى الله فيه .. بينما يوجد من الأئمة من نفسه قد بلغت الحلقوم ، فلا يطيق نفسه فضلاً عن أن يطيق غيره ، وتراه سيء الأخلاق مع الناس في حيه ومجتمعه ، ومع ذلك هو إمامهم ، فكيف يكون هذا الإمام قدوة لغيره ؟
أيها الأخوة . . لا أقول كلاماً جزافاً ، ولا أتخرص القول ، بل هي حقيقة من واقع الحال ، هناك أئمة يهددون ويتوعدون المصلين باتخاذ قرار ما ..
ويتحدى بالبقاء في مسجده ويقول : من أراد الصلاة فهذا المسجد ، ومن لم يرد فالمساجد كثيرة ، فتراه مخلاً بالصلاة ، يتأخر عن مسجده ، يغيب أوقاتاً ويترك الناس بلا وكيل يؤمهم عنه ، وربما رأيته متكبراً متغطرساً ، لا يُلقي لأحد بالاً ، ولا يلتفت إلى من يكلمه ، بل يُعرض عنه بكل أنفة وتعالي .
ولو بحثنا عن سبب كراهة الناس له ، لوجدنا أن الحق معهم ، فهو يصلي ولا يتحدث مع الناس ، ولا يأمرهم بالمعروف ، ولا ينهاهم عن المنكر ، ولا يوجه ، ولا يرشد ، ولا يتحدث مع أحد ، بل تراه منطوياً منزوياً ، لا يعرف أحداً من حيه غير المؤذن ، وربما كانت بينه وبين المؤذن شحناء وبغضاء .
فهذا الإمام قدوة سيئة ، ومثالاً لا يُقتدى به ، بل لو تحدث لن يسمع له أحد ، وتراه يثير الشحناء والبغضاء بين الناس والعياذ بالله ، وإني أذكِّر إخواني الأئمة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " من أمَّ قوماً وهم له كارهون ، فإن صلاته لا تجاوز ترقوته " [ أخرجه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 6012 ] .
وقد وجد من الأئمة من همُّه ومناه ، وغاية دنياه الحصول على المال - نسأل الله السلامة - .. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ترفع لهم صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً : رجل أم قوماً وهم له كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وأخوان متصارمان " [ رواه ابن ماجة وحسنه الألباني ] .
فيجب على الإمام أن يتحمل أهل حيه وينصحهم ويرشدهم ويحبهم ويحبونه ، حتى يعقلوا عنه ما يريد ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى جميل يحب الجمال ، ويحب معالي الأخلاق ، ويكره سفسافها " [ أخرجه الطبراني في الأوسط ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1743 من حديث جابر رضي الله عنه ] .
النصيحة : كما قيل : كانت النصيحة قديماً تُشترى بالمال ، واليوم تقدم النصيحة مجاناً رجاء ثواب الله تعالى ، ولا تجد من يصغي لك ، أو يتقبل منك ، وهذا من الجهل المطبق والعياذ بالله .
الله عز وجل أمرنا بالنصيحة ، وأمرنا بالتعاون فيما بيننا ، فقال سبحانه : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [ المائدة2 ] .
وحثَّ على النصيحة لكل شرائح المجتمع نبيّ الأمة عليه من ربه أفضل الصلوات ، وأزكى السلام والتحيات ، عن تميم الداري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الدين النصيحة ثلاثاً . قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " [ رواه البخاري ومسلم ] .
الخطأ أمر غريزي في بني الإنسان ، ولا ينفك عنه أحد ، لأن العصمة من ذلك لله ولرسله صلوات الله وسلامه عليهم .. وهناك من الأئمة من يكثر خطؤه ، ومع تقديم النصيحة له ، فتراه متعالياً متكبراً ، لا يسمع نصيحة وكأنه معصوم من الخطأ ..
ومنهم من لا يهتم بالنصيحة ، حيث يغلب عليه الجهل ، فلا يهتم بخطئه ، بل يستمر عليه دون أدنى اهتمام ، ولا ريب أن ذلك من الغفلة ، والجهل الذي يصب في قالب البعد عن دين الله تعالى ، وإلا فالحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها أخذ بها .
فيجب على الإمام أن يكون قدوة في كل شيء ، يقبل النصيحة من غيره ، كما يُحب أن يقبلها غيره منه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " المؤمن مرآة أخيه ، إذا رأى فيها عيباً أصلحه " [ حسنه الألباني رحمه الله ] .
وهناك من الأئمة من يقرأ القرآن بغير ما أنزل الله ، فيحرف المعنى تحريفاً واضحاً بيناً ، فهذا عليه كفل من الإثم ، وهو داع إلى الخطأ تعمداً جلياً ، وهو ممن يسنن السنن السيئة للناس ، وهو من دعاة الضلالة ، الذي يعلم الناس الشر بدل الخير والعياذ بالله ..
وإني أوصي إخواني الأئمة بأن لا يتقدموا لطلب هذا المنصب الإيماني النبوي العظيم حتى يتقنوا كتاب الله عز وجل حفظاً وتمكناً ، وأن يكون هذا الحفظ على أيدي المشائخ القراء الذين حفظوه شفة من شفة إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ..
هكذا فلتكن الإمامة ، وما عدا ذلك من اللهو واللعب وحب الدنيا وجمع الأموال ، فهو أمر ينتج عنه عواقب وخيمة ، ونتائج سيئة - نسأل الله العفو والعافية - .
ألا فاعلم أيها الإمام أن ما تقرؤه للناس خطأ ربما حفظه منك جهلتهم وعوامهم ، وظنوه هكذا أنزل ، فتكون آثماً ، ولا عيب إذا قُدمت لك النصيحة أن تقبلها ، ومن أعظم النصائح وجوب التحاق الأئمة بحلقات التحفيظ ، لضبط الحفظ ، وسلامة النطق ، فالإمام مؤتمن على كل شيء في المسجد من صلاة وقراءة وصدق وإخلاص ..
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه ولا عليهم " [ أخرجه البيهقي وغيره ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2786 ] ، وكان رضي الله عنه يقدم فتيان قومه وهو أعلم منهم خوفاً من تبعة هذا الحديث ..
واليوم تجد المتقدمين للإمامة أكثر من أن يحصون عدداً ، كلهم يريد الحصول على الإمامة وليس لديه من فقهها شيء ، ولا يحفظ من كتاب الله إلا جزءاً أو اثنين ، مع ما فيهما من الأخطاء ، فلنتق الله أيها الأخوة في الله ، ولنراجع أنفسنا ، فما هذه الحياة الدنيا إلا أيام ، ثم ننقلب إلى عالم الخفايا ، للجزاء والحساب .
التسول : ظاهرة خطيرة مؤلمة تشهدها مساجدنا ، لم يألفها من كان قبلنا ، ولكن عندما ابتعد الناس عن دينهم ، وضعف وازع الدين ، انتشرت ظواهر سيئة ، وتفشت عادات باطلة في أوساط المسلمين ، ومنها ظاهرة التسول .
وبحكم تعاملي مع المتسولين أثناء وجودي في الإمامة اتضح لي ولجميع المصلين معي ، أن كل من جاء للتسول لدينا في الجامع لم يكن بحاجة للتسول ، بل منهم من لديه من الأموال ما يبلغ الملايين ومئات الآلاف من الريالات ، ولكنه دأب على التسول والحصول على المال بطرق سهلة ، يريق ماء وجهه ، ليحصل على حفنة قذرة من المال الذي هو وسخ الحياة .
فلما رأيت كثرة المتسولين ، رأيت أن من واجبي التعاون مع الأجهزة المعنية بذلك ، كمكافحة التسول ، فكنت إذا أتى المتسول وبدأ بعرض قصته المختلقة على الناس ، واستعطافهم لاستدرار ما ليدهم من مال ..
أتصل فوراً برجال المكافحة ، فينتظرونه على الباب لحين خروجه ، فيحتملونه إلى مقر المكافحة وبالتحقيق معه يتضح أنه كاذب في دعواه ، وفي اليوم التالي أُذكَّر الناس به ، وأبين لهم ما حصل بالأمس ، وهكذا كان تعاملي مع المتسولين والمتسولات ، حتى قضيت تماماً على هذه الظاهرة السيئة .
وعلى الإمام أن يقوم بواجب النصيحة للمتسولين بتذكيرهم بالله تعالى ، وأن التسول ظاهرة غير لائقة بحق من ليس بمستحق ، ويخوفه بالله ، ويذكره بالأدلة والنصوص الشرعية الخاصة بذلك ، ويحث أهل جماعة المسجد بأن لا يعطوا المتسولين حتى يتم التأكد من حاجتهم الفعلية ، وذلك بالإتيان بمشهد من مكافحة التسول ، أو رئيس المحكمة تُبت أهلية المتسول لطلب المساعدة من الناس ، وإلا فلا يُفتح الباب ، لأنه إن فتح لم يغلق .
وأحذِّر من النساء المتسولات ، فجلهن داعيات إلى الفسق والجريمة ، وأكثرهن مغلوبات على أمرهن ، فلا يدفع لهن شيء ، بل يُرفع أمرهن إلى الهيئات ، والجهات ذات الاختصاص .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة فأجاب رحمه الله بما نصه : " أصل السؤال محرم في المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة ، فإن كان به ضرورة وسأل في المسجد ولم يؤذ أحداً بتخطيه رقاب الناس ، ولا بغير تخطيه ، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ، ولم يجهر جهراً يضر الناس ، مثل أن يسأل الخطيب والخطيب يخطب ، أو وهم يسمعون علماً يشغلهم به ، ونحو ذلك جاز والله أعلم .
وقال السيوطي : " السؤال في المسجد مكروه كراهة تنزيه ، وإعطاء السائل فيه قربة يثاب عليها ، وليس بمكروه فضلاً عن أن يكون حراماً " .
وما ذكرته من وقائع وشواهد ، لهي خير دليل على تحريم السؤال اليوم في المساجد ، لما نعلمه من حال أولئك المتسولين ، وأن فيهم كذب ودجل وترويج على الناس ، لاستدرار أموالهم ، وما نعلمه من حقيقة كثير من النساء اللاتي يأتين إلى المساجد بدفع من أقربائهن للشحاذة وإراقة ما الوجه وهي كاذبة فيما تدعيه ، وتظهره من صكوك مصورة مزورة _والعلم عند الله تعالى _ لكن هذا هو الظاهر ، وهذا هو الذي دلت عليه تحقيقات الجهات المختصة .
بل رأينا سيارات فارهة وباصات تقف بجوار المساجد ، ويخرج منها نساء الله أعلم بحالهن ، بدافع التسول والشحاذة ، وهي بلا شك عصابات ومافيا تعمل ليل نهار لأكل أموال الناس بالباطل .
فهنا يجب على أفراد المجتمع بجميع شرائحه أن يقفوا وقفة صادقة ، يداً واحدة ، يحاربون هذه الأعمال الشنيعة ، والأفعال الفظيعة ، وأن يقطعوا دابرها ، ولا يتم ذلك ، إلا إذا وقف الأئمة وقفة واحدة للتصدي لتلكم الفئة الضالة عن طريق الحق ، ومنعها من التسول في بيوت الله التي بنيت للعبادة دون سواها .
الجوال : الجوال نعمة من نعم الله تعالى أُسيء استعمالها من قبل كثير من الناس اليوم ، بحيث أصبح يُستخدم الجوال في بيوت الله تعالى ، التي هي بيوت لذكره وعبادته وقراءة القرآن ، وإقامة المحاضرات والدروس العلمية ، وليست مكاناً لعرض أنواع الموسيقى ، واستعراض أنواع الجوالات .
فهناك فئة من المسلمين للأسف الشديد غلب عليهم الشيطان والهوى واتباع الشهوات والشبهات ، فساقهم ذلك للوقوع فيما حرم الله ، فاستخدموا الجوال حتى في بيوت الله عز وجل ، فضلوا وأزعجوا ونفروا .
ولقد جاءت فتاوى العلماء متضافرة في تحريم استخدام الجوال في المساجد ، لاسيما إذا اقترنت به الموسيقى ، فواجب المسلم حيال ذلك ، أن يتبع علماءه ، ولا يحيد عنهم طرفة عين .
ولقد رأينا الكثير من الناس بل كلهم إذا دخل على أحد المسؤولين أو الأمراء ، نراه يضع جواله مع أحد الموجودين خارج المكان المراد دخوله ، ومنهم من يتأكد من إغلاق جواله عدة مرات ، فسبحان الله ، انظر كيف هذه الغفلة عن مقام رب العالمين ، عند المخلوق يغلق الجوال ، وعند الخالق لا يقام له وزن ، ولا يهتم بهذه المقابلة التي يترتب عليها الأجر والثواب ، والوزر والعقاب ، فهنالك سفهاء من الناس لا يدركون خطورة الوضع .
بينما نرى من التجار أصحاب رؤوس الأموال المقدرة بالملايين ، وكثير من المسؤولين ، وهم يغلقون جوالتهم عند دخولهم إلى المساجد ، بينما أصحاب الديون ومن ليس لهم دور في المجتمع تراه يكابر ويعاند ، ولا يغلق جواله مع وجود التنبيهات عبر الملصقات الموجودة في المساجد .
فواجب الإمام أن ينكر هذا المنكر المستحدث ، وينبه المصلين بعد كل نغمة جوال يسمعها ، ولو استمر على ذلك كل فرض وكل يوم حتى يقضي على هذه الظاهرة المنكرة .
وهناك أحد الأئمة فعل ذلك ، واليوم مسجده خال تماماً من أصوات الجوالات المزعجة .. فإن ترك الأئمة هذا المنكر ولم ينكروه ، أصبح مألوفاً لدى الناس بعد فترة من الزمن ، ومن ينكره بعد ذلك ربما عاداه الناس ، وأضمروا له البغضاء ، فالمنكر إن لم يُنكر أصبح كالسنَّة عند جهلة الناس وعوامهم ..
فيجب على الإمام أن ينكر كل منكر في مسجده ، حتى يألف الناس ذلك من إمامهم ، ويعرفون أنه لا يقبل بمنكر في مسجده وحيه ، فيصبح التعاون هو سمتهم ، والتآلف هو دأبهم ..
فالله الله أيها الأئمة قوموا بواجب إنكار المنكر ، والأمر بالمعروف فيما ائتمنتم عليه ، فما نالت هذه الأمة الخيرية من ربها إلا بذلك ، قال تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } [ آل عمران110 ] .
الصغار : الصغار هم ناشئة اليوم ، وشباب الغد ، وعماد المستقبل ، فينبغي أن يكون لهم جزء من وقت الإمام لتعليمهم وتأديبهم وإرشادهم ، فهناك من الأولياء من لا يهتم بأبنائه ويترك لهم الحبل على الغارب ، يتركهم يلعبون ويؤذون المصلين ، ويزعجون أهل الحي ، غير مدرك ذلك الأب لمغبة النتائج ، وسيء العواقب ..
فكان لزاماً على الإمام أن يتوجه بالإرشاد والتوجيه لهم لاسيما وأنهم أطفال قُصَّر لا يفقهون ولا يقدرون ما يحصل منهم من أذى للمسلمين .
فمن متطلبات الإمام نحو هذه الفئة أو الشريحة من المجتمع ، أن يقيم لهم حلقات التحفيظ ، وزيارة الآباء لنصحهم وتذكيرهم بأمر الله تجاه أبناءهم ، دون التشهير بهم عبر المكبرات وفي حضور الجماعات .
كما لا يغفل الإمام عن اللطف والحب والعطف لأولئك الأطفال ، حتى يقبلوا منه ما يقول ، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فإذا لقيهم سلم عليهم ، وسأل عنهم ، وإذا مرض أحدهم زاره وعاده ، ليغرس في نفوس الناشئة حب الخير ، ومعرفة مدى فائدة التآلف والتراحم والتلاحم بين أفراد المجتمع الواحد .
وينبغي على الإمام تحمل الأذى الذي يحصل من قبل بعض الأطفال في المساجد ، ولا يعنف ولا يزجر ، ولا يوبخ ، بل ينبغي أن يكون صدره رحباً متسعاً لهم ، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع الحسن والحسين ، ومع أمامة بنت ابنته زينب رضي الله عنهم أجمعين .
فالله الله بالرفق واللين واللطف مع أولئك الصغار حتى يحبوا المسجد ويألفوه يحبوا أهل الخير ، فما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نُزع من شيء إلا شانه .
المرأة : المرأة مدرسة ومحضن للأطفال ، وينبوع يستفيد منه الأبناء ، فكان لزاماً أن تحاط بمزيد الرعاية والاهتمام ، ومن ذلك دعوت بعض الداعيات لإلقاء المحاضرات لهن .. وإلحاقهن بمدارس تحفيظ القرآن الكريم .
كما ينبغي عمل مطويات وكلمات تخص المرأة ، فهي المستهدفة اليوم من قبل أعداء الملة والدين ، ومن تبعهم من العلمانيين والليبراليين ، الذي يهدفون إلى إخراج المرأة من سترها وعفافها وحيائها ، لتكون ألعوبة بأيدي العابثين بالأعراض ، واللاهثين وراء الشهوات .
فيجب على الأئمة توضيح ذلك للنساء وأولياء أمورهن ، وألا ينخدعوا بما يقال عبر الفضائيات من قبِل فئة ضالة خارجة عن تعاليم الدين وتوجيهاته وآدابه ، ممن رضعوا أفكار الغرب ودرسوا فيه ، ثم عادوا لبلدهم متنكرين للجميل ، داعين إلى كل سوء ومنكر من القول والعمل - نسأل الله السلامة من ذلك -
فعادوا أبواقاً للغرب الكافر ، يدعون لتحرير المرأة من دينها وحجابها وجلبابها ، لتكون عارية وفريسة للذئاب البشرية ، ممن يسعون وراء النزوات البهيمية ، وإشباع الغرائز الحيوانية ، بأفكار شيطانية ، ابتدعوها من تلقاء أنفسهم .
جاءوا لبلادهم بأفكار مسمومة ، وأدمغة مغسولة ، يدعون للحرام ، ويرغبون في ****** ، ضاربين بأوامر الدين ونواهيه عرض الحائط ، لا يأخذون إلا ما يوافق رغباتهم ، ويسكن شهواتهم ، قاتلهم الله من قوم .
فيجب على الإمام أن يحذر نساء المسلمين من خطورة الوضع اليوم ، فهناك حملة دنيئة ، وهجمة بذيئة ، على المرأة المسلمة ، يخدعونها بكلام معسول ، باستقطاب رجال ونساء لا يدينون لله بدين ، فيتفيهقون ويتشدقون بكلام بذيء يدعون من خلاله المرأة إلى الاختلاط والتبرج والسفور ، وتقليد نساء الكفرة والفجور ، عبر برامج فضائية يقودها زمرة من العلمانيين التغريبيين ، الذي يدعون المرأة إلى النار ، ومعصية الواحد القهار .
فعلى الإمام أن يبين الأدلة من القرآن والسنة التي تبين وجوب تغطية المرأة لوجهها بحضرة الرجال الأجانب ، وكذلك النصوص الواردة في التحذير من الاختلاط أو محادثة الرجال الأجانب والتكسر معهم في الكلام .
وكذلك تحذير المرأة من السفر دون محرم ، أو الخروج مع السائق دون محرم ، ولو كان لمتر واحد ، وتحذيرها من ارتياد الأسواق بلا حاجة ماسة تدعوها لذلك ، لأن في خروجها بلا محرم خطر عليها من الغرباء الأدنياء .
فيجب على المرأة المسلمة أن تعي ما يُحاك ضدها ، وما يدور حولها من هجمات شرسة وخسيسة ، وحرب شعواء تتربص بها الدوائر ، لاستغلالها واللعب بجسدها .
ومما تأسف له النفوس أن هناك ثلة من النساء وقعن ضحية لتلك الحروب والهجمات ، مع مباركة وتأييد من قبل أولياء أمورهن ، غير نبالين بالنتائج السيئة المترتبة على ذلك ، وهاهي المرأة في الخارج تعاني الأمرين عندما فقدت حجابها ، وخرجت من بيتها ، فهاهن يعقدن المؤتمرات ، ويدلين بالتصريحات للمطالبة بعودة الحجاب ، والقرار في البيوت ، وأنى لهن ذلك ؟
كما يجب التنبيه على بعض الألبسة السخيفة المخالفة لتعاليم الشريعة ، كالقصير ، والضيق ، والبناطيل ، وشبه العارية ، وتحذير الأمهات من لباس الصغيرات ، فمن شب على شيء شاب عليه ، وما حوادث الخطف وفعل الفاحشة بالفتيات الصغيرات إلا نتيجة حتمية لمعصية رب البرية ، فخذوا حذركم .
فيجب أن نأخذ العبرة من غيرنا ، وألا نكون نحن عبرة لغيرنا ، كل ذلك يتوجب على الإمام نقله لأهل حيه ، لإبراء ذمته أمام ربه وخالقه ، وأداء لأمانة الإمامة المنوطة به .
الشباب : الشباب هم عماد الأمة ، وقلبها النابض ، وصمام الأمان لكل شعب من الشعوب ، فإذا ما انحرف الشباب تاهت الأمة ، وضعفت ، وخارت قواها ، واستولى عليها أعداؤها ، وهذا أمر مشاهد وواقع لا ينكره أحد .
ولما عرف الأعداء قوة شباب الإسلام ، ومقدرتهم على الدفاع عن دينهم ووطنهم ، وولاة أمرهم ، والدفاع عن أعراضهم ، دأبوا إلى بث القنوات الفضائية التي تدعوا إلى الإباحية ، وكذلك عبر الشبكات المعلوماتية ، عبر الإنترنت ..
وياللخسارة الفادحة والمؤلمة ، أن هناك ثلة من الشباب انقاد انقياداً غير مسبوق إلى ما يبثه الغرب من أفلام وصور ومناظر ومشاهد محرمة ، مميتة للعقيدة ، تغتال الدين في القلوب ، وتجعل الشاب مسيَّراً لا مخيَّراً فيما يشاهد - فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون - .
لقد خطط الأعداء ، ووقع شبابنا في الفخاخ ، وترنحوا في المصائد الشهواتية ، فتراهم سكارى وما بسكارى ، ولكن تأثير المعروض أذهليهم ، حتى تركوا الصلوات ، وعصوا رب البريات ، وعقوا الآباء والأمهات ، تنكروا لوطنهم ، تنكروا لدينهم _ نسأل الله اللطف _ اللهم استر يا ستير .
أضحت صورهم وكأنها نسخة طبق الأصل من شباب الكفر والعهر ، جِلّ على الشعور ، مكياج على البشرة ، ربطات حول الأعناق ، سلاسل حول الأيدي ، سراويل قصير فوق الركبة ، تلاعن وتهارش في القول والكلام ، لبان يدل على الميوعة والأنوثة ، ألسنة تلعن ربها ودينها ، وتسب نبيها صلى الله عليه وسلم - اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا - .
فيجب على الأئمة أخذ ذلك بعين الاعتبار ، والأخذ بأيدي الشباب ، فقد ضلوا السبيل ، وتنكبوا طرق الفساد ، فلابد من التوجيه الهادف ، والإرشاد الصادق ، لفئة الشباب ، ففيهم من الخير ما الله به عليم ، ولكن يحتاج هذا الخير إلى من يوجهه التوجيه السليم ، تحت مراقبة لصيقة لعدم النكوص على الأعقاب .
فمن واجب الإمام أن يقوم بزيارة هؤلاء الشباب في منازلهم والجلوس معهم بعيداً عن أهليهم ، حتى لا يحصل الإحراج ، وتقع النفرة ، فربما لم يتقبل الولد من واليده نصيحة ، وهذه نتيجة حاصلة بسبب ما يُشاهد من فضائيات ، وبسبب سن المراهقة ، وحب السيطرة ، وعدم تقبل النصيحة للإحساس بالرجولة ، فينبغي على الإمام إدراك ذلك ، واستشارة أهل الاختصاص في كيفية التعامل مع هذه الشريحة الهامة من المجتمع .
كذلك القيام برحلات برية وبحرية ، لإخراجهم من جو الحي والمنزل والمدرسة ، إلى جو يهيئ لهم الذهن الصافي المتوقد ، لانتشالهم من براثن الشياطين ، ونقلهم إلى حياض الدين السليم .
كذلك القيام بزيارة الحرمين الشريفين وحضور الدروس العلمية هناك ، وزيارة الدعاة والعلماء والاستفادة من توجيهاتهم ، فالمرء على دين خليله ، فمن كان أصدقاؤه صالحين أصبح صالحاً ، ومن رافق الطالحين خاب وخسر .
فأهيب بإخواني الأئمة الاهتمام بالشباب وتقديم كافة الرعاية لهم ، وذلك بتعاون كثير من المؤسسات والأفراد والأغنياء في ذلك ، فالله مع الجماعة .
فكم رأينا من شباب يلعبون الكرة بجانب المساجد ، وآباؤهم فقدوا زمام التربية ، فتخلوا عن التوجيه والإرشاد ، وتركوا ذلك للشوارع .
ورأينا شباباً على أعتاب المنازل والناس يصلون ، ورأينا شباباً داخل دورات المياه أثناء الصلاة للعلب والعبث والتدخين ، والمصيبة العظمى أن الإمام يمر بهم ولا ينصح ولا يوجه ، وكأن الأمر لا يهمه ، فيا الله ما هذه الغفلة ؟ أين الضمان الذي ألزمك الله به .
الإصلاح : كم من المشاكل والمصادمات التي تقع في كل بيت ، فلا يخلو منها منزل ولا حي ولا عمل ، فاختلاف وجهات النظر غالباً ما تسود بين الناس ، لكن العاقل الفطن ، يعلم علم يقين أن اختلاف وجهات النظر ، لا تُفسد للود قضية ، فإذا اختلفنا فنحن إخوة ، فكل له رأيه ، ولست ملزماً باتباع رأيك مادام أني أرى أني رأيي هو الصواب ، والعكس صحيح ..
وكما قيل : " رأي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب " ، وقد قال تعالى مبيناً اختلاف الناس : { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود118 -119 ] .
فمنشأ المشاكل بين الناس هو استيلاء الشيطان عليهم ، ووجود فرقة من الناس من دأبت على الغيبة والنميمة والإفساد بين الناس