الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله
وأصحابه أجمعين
قال الله تعالي في كتابه الكريم:
(( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)) .سوره ال عمران .
ماسبب نزول هذه الايات ؟ وماهي المباهلة ؟ ماشروطها؟ وما عاقبتها؟
هذا ما سنعرفه باذن الله تعالى في هذا الموضوع
تعريف المباهلة :
قول ابن تيميه رحمه الله :- هي الملاعنة ، والمقصود منها أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء ، فيقولوا : لعنة الله على الظالم منا.
قال ابن منظور: «البَهْل: اللعن، وبَهَله الله بَهْلاً أي: لعنه، وباهل القوم بعضهم بعضاً وتباهلوا وابتهلوا: تلاعنوا، والمباهلة: الملاعنة، يقال: باهلت فلاناً: أي لاعنته».
سبب نزول ايه المباهلة:
قام وفد نجران من النصارى حين
قدموا فجعلوا يُحَاجّون في عيسى، ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية،
فأنزل الله صَدْرَ هذه السورة رَدا عليهم .
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نَجْران، ستون راكبا، فيهم أربعة
عَشرَ رجلا من أشرافهم يؤول إليهم أمرهم، وهم: العاقب، واسمه عبد المسيح،
والسيد، وهو الأيْهَم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، وأويس الحارث وزيد،
وقيس، ويزيد، ونبيه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله، وَيُحَنَّس.وأمْرُ هؤلاء يؤول إلى ثلاثة منهم، وهم:
العاقب وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه .
والسيد وكان عالمهم وصاحب رَحْلهم ومُجتمعهم،
وأبو حارثة بن علقمة وكان أسْقُفهم وحَبْرَهم وإمامهم وصاحب مدارسهم،
وكان رجلا من العرب من بني بكر بن وائل، ولكنه تَنَصَّر، فعظمته الروم وملوكها
وشرفوه، وبنوا له الكنائس وَمَوَّلُوه وأخْدَموه، لما يعلمونه من صلابته في دينهم. وقد
كان يعرف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأنه وصفته بما علمه من الكتب
المتقدمة جيدا، ولكن احتمله جهله على الاستمرار في النصرانية لما يرى من
تعظيمه فيها ووجاهته عند أهلها.
قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلوا عليه مَسْجِدَه حين
صلى العصر،
قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم.
وقد حانت صلاتهم، فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعُوهم فصلّوا إلى المشرق.
قال: فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبد المسيح، أو السيّد الأيهم،
وهم من النصرانية على دين الملك، مع اختلاف أمرهم،
يقولون: هو الله، ويقولون: هو ولد الله، ويقولون: هو ثالث ثلاثة.
تعالى الله [عن ذلك علوًا كبيرا] .
وكذلك قول النصرانية، فهم يحتجون في قولهم: "هو الله" بأنه كان يحيي الموتى،
ويُبْرئُ الأسقامَ، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيرا .
وذلك كله بأمر الله، وليجعله آية للناس.
ويحتجون في قولهم بأنه ابن الله، يقولون: لم يكن له أب يعلم، وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه أحد من بني آدم قبله.
ويحتجون في قولهم بأنه ثالث ثلاثة، بقول الله تعالى: فعلنا، وأمرنا، وخلقنا، وقضينا؛ فيقولون: لو كان واحدًا ما قال إلا فعلتُ وقضيتُ وأمرتُ وخلقتُ؛ ولكنه هو وعيسى ومَرْيَم وفي
كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن.
فلما كلمه الحَبْران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسْلِمَا" قالا قد
أسلمنا. قال: "إنَّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا فأسْلِما" قالا بلى، قد أسلمنا قبلك. قال: "كَذَبْتُمَا،
يمْنَعُكُمَا مِنَ الإسْلامِ دُعَاؤكُما لله ولدا، وَعِبَادَتُكُمَا الصَّلِيبَ وأكْلُكُمَا الخِنزيرَ".
قالا فمن
أبوه يا محمد؟ فَصَمَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فلم يجبهما، فأنزل الله
في ذلك من قولهم، واختلاف أمرهم، صَدْرَ سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها.
فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله، والفَصْلُ من القضاء بينه
وبينهم، وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إنْ رَدّوا ذلك عليه، دعاهم إلى ذلك؛
فقالوا: يا أبا القاسم، دَعْنَا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه،
فانصرفوا عنه، ثم خَلَوْا بالعاقب، وكان ذا رأيهم،
فقالوا: يا عبدَ المسيح، ماذا ترى؟
فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرَفْتم أن محمدًا لنبيٌّ مرسل، ولقد جاءكم بالفَصْل
من خَبَر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لاعَن قوم نبيًا قط فبقي كبيرهم، ولا نبت
صَغيرهم، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة
على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعُوا الرجلَ وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم،
فقالوا: يا أبا القاسم، قد رأينا ألا نلاعنك، ونتركك على دينك، ونرجعَ على ديننا، ولكن
ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا، يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضًا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائْتُونِي الْعَشِيَّة أبعث معكم القوي الأمين"،
فَكان عمر بن الخطاب يقول: ما أحببت الإمارة قَطّ حُبّي إياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فَرُحْتُ إلى الظهر مُهَجّرا،
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهرَ سلَّم، ثم نَظَر عن يمينه وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يَزَلْ يلتمس ببصره حتى رأى
أبا عُبَيدة بن الجَرَّاح،
فدعاه: "اخْرُجْ معهم، فَاقْضِ بينهم بِالْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ". قال عمر: فذهب بها
أبو عبيدة، رضي الله عنه .
الاحداث التي في المباهلة :
( لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا أولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني نصارى نجران – لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا ).
الراوي: عبدالله بن عباس . المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: العجاب
( لما أنزل الله هذه الآية { تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم } الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي ) .
يشترط في المباهلة شروط خمسة :
- إخلاص النية لله ـ تعالى ـ فلا يجوز أن يكون الغرض منها الرغبة في الغلبة، والانتصار للهوى، أو حب الظهور وانتشار الصيت .
- العلم؛ فإن المباهــلة لا بد أن يسبقها حــوار وجــدال، ولا جدال بلا علم، والمجادل الجاهل يفسد أكثر مما يصلح.
- أن يكون طالب المباهلة من أهل الصلاح والتقى؛ إذ إنها دعاء .
- أن تكون بعد إقامة الحجة على المخالف، وإظهار الحق له بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة،
- أن تكون المباهلة في أمر مهم من أمور الدين، ويرجى في إقامتها حصول مصلحة للإسلام والمسلمين، أو دفع مفسدة كذلك.
عاقبة المباهلة :
وقد دلت السنة على ذلك؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: «ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً» .
توضيح و تبين بعض المفاهيم المغلوطة التي يحاول البعض أخذها
من هذه القصة:
من قول الشيخ ابن القيم رحمه الله :-
arkblue[color=brown]]-إتيان النبي صلى الله عليه وسلم بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم عند المباهلة ثابت بالأحاديث الصحيحة .
- ليس في ذلك دلالة على أنهم أفضل هذه الأمة .
قال : " لا دلالة في ذلك على الإمامة ولا على الأفضلية ". انتهى
وقال : " ولا يقتضي أن يكون من باهل به أفضل من جميع الصحابة ، كما لم يوجب أن تكون فاطمة وحسن وحسين أفضل من جميع الصحابة ". انتهى .
المباهلة إنما يختار لها الإنسان أقرب الناس منه نسباً ، لا أفضلهم عنده .
قال شيخ الإسلام : " وسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء فقط : أن المباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه ، وإلا فلو باهلهم بالأبعدين في النسب وان كانوا أفضل عند الله لم يحصل المقصود .. ".
وقال : " وهؤلاء أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه و سلم نسباً ، وإن كان غيرهم أفضل منهم عنده ، فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه ؛ لأن المقصود أن يدعو كل واحد منهم أخص الناس به ، لما في جِبِلّة الإنسان من الخوف عليه وعلى ذوي رحمه الأقربين إليه ...
والمباهلة مبناها على العدل ، فأولئك أيضا يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسبا ، وهم يخافون عليهم ما لا يخافون على الأجانب ، ولهذا امتنعوا عن المباهلة لعلمهم بأنه على الحق وأنهم إذا باهلوه حقت عليهم بُهْلة الله ، وعلى الأقربين إليهم ". انتهى
ليس في آية المباهلة دليل على أحقية علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخلافة والإمامة ، بزعم أن الله جعله مقام نفس الرسول بقوله : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ...) ، والاتحاد في النفس محال ، فلم يبق إلا المساواة له في الولاية العامة .
المراجع : كتاب تفسير ابن كثير ,كتاب ابن حجر العسقلاني العجاب
هذا وفي الختام اسأل الله ان اكون افتدكم بهذا الموضوع
ولا تنسونا من صالح الدعاء
ولكم تحياتي
وأصحابه أجمعين
قال الله تعالي في كتابه الكريم:
(( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)) .سوره ال عمران .
ماسبب نزول هذه الايات ؟ وماهي المباهلة ؟ ماشروطها؟ وما عاقبتها؟
هذا ما سنعرفه باذن الله تعالى في هذا الموضوع
تعريف المباهلة :
قول ابن تيميه رحمه الله :- هي الملاعنة ، والمقصود منها أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء ، فيقولوا : لعنة الله على الظالم منا.
قال ابن منظور: «البَهْل: اللعن، وبَهَله الله بَهْلاً أي: لعنه، وباهل القوم بعضهم بعضاً وتباهلوا وابتهلوا: تلاعنوا، والمباهلة: الملاعنة، يقال: باهلت فلاناً: أي لاعنته».
سبب نزول ايه المباهلة:
قام وفد نجران من النصارى حين
قدموا فجعلوا يُحَاجّون في عيسى، ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية،
فأنزل الله صَدْرَ هذه السورة رَدا عليهم .
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نَجْران، ستون راكبا، فيهم أربعة
عَشرَ رجلا من أشرافهم يؤول إليهم أمرهم، وهم: العاقب، واسمه عبد المسيح،
والسيد، وهو الأيْهَم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، وأويس الحارث وزيد،
وقيس، ويزيد، ونبيه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله، وَيُحَنَّس.وأمْرُ هؤلاء يؤول إلى ثلاثة منهم، وهم:
العاقب وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه .
والسيد وكان عالمهم وصاحب رَحْلهم ومُجتمعهم،
وأبو حارثة بن علقمة وكان أسْقُفهم وحَبْرَهم وإمامهم وصاحب مدارسهم،
وكان رجلا من العرب من بني بكر بن وائل، ولكنه تَنَصَّر، فعظمته الروم وملوكها
وشرفوه، وبنوا له الكنائس وَمَوَّلُوه وأخْدَموه، لما يعلمونه من صلابته في دينهم. وقد
كان يعرف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأنه وصفته بما علمه من الكتب
المتقدمة جيدا، ولكن احتمله جهله على الاستمرار في النصرانية لما يرى من
تعظيمه فيها ووجاهته عند أهلها.
قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلوا عليه مَسْجِدَه حين
صلى العصر،
قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم.
وقد حانت صلاتهم، فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعُوهم فصلّوا إلى المشرق.
قال: فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبد المسيح، أو السيّد الأيهم،
وهم من النصرانية على دين الملك، مع اختلاف أمرهم،
يقولون: هو الله، ويقولون: هو ولد الله، ويقولون: هو ثالث ثلاثة.
تعالى الله [عن ذلك علوًا كبيرا] .
وكذلك قول النصرانية، فهم يحتجون في قولهم: "هو الله" بأنه كان يحيي الموتى،
ويُبْرئُ الأسقامَ، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيرا .
وذلك كله بأمر الله، وليجعله آية للناس.
ويحتجون في قولهم بأنه ابن الله، يقولون: لم يكن له أب يعلم، وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه أحد من بني آدم قبله.
ويحتجون في قولهم بأنه ثالث ثلاثة، بقول الله تعالى: فعلنا، وأمرنا، وخلقنا، وقضينا؛ فيقولون: لو كان واحدًا ما قال إلا فعلتُ وقضيتُ وأمرتُ وخلقتُ؛ ولكنه هو وعيسى ومَرْيَم وفي
كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن.
فلما كلمه الحَبْران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسْلِمَا" قالا قد
أسلمنا. قال: "إنَّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا فأسْلِما" قالا بلى، قد أسلمنا قبلك. قال: "كَذَبْتُمَا،
يمْنَعُكُمَا مِنَ الإسْلامِ دُعَاؤكُما لله ولدا، وَعِبَادَتُكُمَا الصَّلِيبَ وأكْلُكُمَا الخِنزيرَ".
قالا فمن
أبوه يا محمد؟ فَصَمَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فلم يجبهما، فأنزل الله
في ذلك من قولهم، واختلاف أمرهم، صَدْرَ سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها.
فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله، والفَصْلُ من القضاء بينه
وبينهم، وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إنْ رَدّوا ذلك عليه، دعاهم إلى ذلك؛
فقالوا: يا أبا القاسم، دَعْنَا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه،
فانصرفوا عنه، ثم خَلَوْا بالعاقب، وكان ذا رأيهم،
فقالوا: يا عبدَ المسيح، ماذا ترى؟
فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرَفْتم أن محمدًا لنبيٌّ مرسل، ولقد جاءكم بالفَصْل
من خَبَر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لاعَن قوم نبيًا قط فبقي كبيرهم، ولا نبت
صَغيرهم، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة
على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعُوا الرجلَ وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم،
فقالوا: يا أبا القاسم، قد رأينا ألا نلاعنك، ونتركك على دينك، ونرجعَ على ديننا، ولكن
ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا، يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضًا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائْتُونِي الْعَشِيَّة أبعث معكم القوي الأمين"،
فَكان عمر بن الخطاب يقول: ما أحببت الإمارة قَطّ حُبّي إياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فَرُحْتُ إلى الظهر مُهَجّرا،
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهرَ سلَّم، ثم نَظَر عن يمينه وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يَزَلْ يلتمس ببصره حتى رأى
أبا عُبَيدة بن الجَرَّاح،
فدعاه: "اخْرُجْ معهم، فَاقْضِ بينهم بِالْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ". قال عمر: فذهب بها
أبو عبيدة، رضي الله عنه .
الاحداث التي في المباهلة :
( لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا أولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني نصارى نجران – لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا ).
الراوي: عبدالله بن عباس . المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: العجاب
( لما أنزل الله هذه الآية { تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم } الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي ) .
يشترط في المباهلة شروط خمسة :
- إخلاص النية لله ـ تعالى ـ فلا يجوز أن يكون الغرض منها الرغبة في الغلبة، والانتصار للهوى، أو حب الظهور وانتشار الصيت .
- العلم؛ فإن المباهــلة لا بد أن يسبقها حــوار وجــدال، ولا جدال بلا علم، والمجادل الجاهل يفسد أكثر مما يصلح.
- أن يكون طالب المباهلة من أهل الصلاح والتقى؛ إذ إنها دعاء .
- أن تكون بعد إقامة الحجة على المخالف، وإظهار الحق له بالأدلة الواضحة والبراهين القاطعة،
- أن تكون المباهلة في أمر مهم من أمور الدين، ويرجى في إقامتها حصول مصلحة للإسلام والمسلمين، أو دفع مفسدة كذلك.
عاقبة المباهلة :
وقد دلت السنة على ذلك؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: «ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً» .
توضيح و تبين بعض المفاهيم المغلوطة التي يحاول البعض أخذها
من هذه القصة:
من قول الشيخ ابن القيم رحمه الله :-
arkblue[color=brown]]-إتيان النبي صلى الله عليه وسلم بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم عند المباهلة ثابت بالأحاديث الصحيحة .
- ليس في ذلك دلالة على أنهم أفضل هذه الأمة .
قال : " لا دلالة في ذلك على الإمامة ولا على الأفضلية ". انتهى
وقال : " ولا يقتضي أن يكون من باهل به أفضل من جميع الصحابة ، كما لم يوجب أن تكون فاطمة وحسن وحسين أفضل من جميع الصحابة ". انتهى .
المباهلة إنما يختار لها الإنسان أقرب الناس منه نسباً ، لا أفضلهم عنده .
قال شيخ الإسلام : " وسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء فقط : أن المباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه ، وإلا فلو باهلهم بالأبعدين في النسب وان كانوا أفضل عند الله لم يحصل المقصود .. ".
وقال : " وهؤلاء أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه و سلم نسباً ، وإن كان غيرهم أفضل منهم عنده ، فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه ؛ لأن المقصود أن يدعو كل واحد منهم أخص الناس به ، لما في جِبِلّة الإنسان من الخوف عليه وعلى ذوي رحمه الأقربين إليه ...
والمباهلة مبناها على العدل ، فأولئك أيضا يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسبا ، وهم يخافون عليهم ما لا يخافون على الأجانب ، ولهذا امتنعوا عن المباهلة لعلمهم بأنه على الحق وأنهم إذا باهلوه حقت عليهم بُهْلة الله ، وعلى الأقربين إليهم ". انتهى
ليس في آية المباهلة دليل على أحقية علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخلافة والإمامة ، بزعم أن الله جعله مقام نفس الرسول بقوله : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ...) ، والاتحاد في النفس محال ، فلم يبق إلا المساواة له في الولاية العامة .
المراجع : كتاب تفسير ابن كثير ,كتاب ابن حجر العسقلاني العجاب
هذا وفي الختام اسأل الله ان اكون افتدكم بهذا الموضوع
ولا تنسونا من صالح الدعاء
ولكم تحياتي