الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه اجمعين
نعود اليكم مع تفسير ايات من كتاب رب الارض والسماوات
وستكون بعنوان (أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً)
من منا لا يريد أن يكون من الذين ذكروا في هذه الايات
من منا لا يريد أن يتصف بصفات أهل الايمان
من هم المؤمنون ؟ ما صفاتهم ؟ ماجزاء من اتصف بصفاتهم؟
سنعرف ذلك باذن الله اذا رجعنا قليلا الى الايات اللتي قبل هذه الاية
وسنجد الجواب
قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ
عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)
قال ابن كثير : المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه ولايؤمنون بشيء من آيات الله ولايتوكلون ولايصلون إذا غابوا ولايؤدون زكاة أموالهم فأخبر الله تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين ثم وصف الله المؤمنين
فقال ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) خافت ورهبت، فأوجبت لهم خشية الله تعالى الانكفاف عن المحارم، فإن خوف الله تعالى أكبر علاماته أن يحجز صاحبه عن الذنوب فأدوا فرائضه .
( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) يقول زادتهم تصديقا
ووجه ذلك أنهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم
لتدبره فعند ذلك يزيد إيمانهم، لأن التدبر من أعمال القلوب، ولأنه لابد أن يبين لهم معنى كانوا يجهلونه، أو يتذكرون ما كانوا نسوه، أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقاً إلى كرامة ربهم، أو وجلاً من العقوبات، ازدجاراً عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان
وقال مجاهد( وجلت قلوبهم ) فرقت أي فزعت وخافت وكذا قال السدي وغير واحد وهذه صفة المؤمن حق المؤمن الذي إذا ذكر وجل قلبه أي خاف منه ففعل أوامره وترك زواجره كقوله تعالى ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون) وكقوله تعالى (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) ولهذا قال سفيان الثوري سمعت السدي يقول في قوله تعالى( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) قال هو الرجل يريد أن يظلم أو قال يهم بمعصية فيقال له اتق الله فيجل قلبه
( وعلى ربهم يتوكلون ) أي لا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه ولا يلوذون إلا بجنابه ولا يطلبون الحوائج إلا منه ولا يرغبون إلا إليه ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه المتصرف في الملك لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب .
(الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) ينبه تعالى بذلك على أعمالهم بعدما ذكر اعتقادهم وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلها وهو إقامة الصلاة وهو حق الله تعالى وقال قتادة إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها وقال مقاتل بن حيان إقامتها المحافظة على مواقيتها وإسباغ الطهور فيها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذا إقامتها
(ومما رزقناهم ينفقون) والإنفاق مما رزقهم الله يشمل إخراج الزكاة وسائر الحقوق للعباد من واجب ومستحب والخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لخلقه
( أولئك هم المؤمنون حقا ) لأنهم جمعوا بين الإسلام والإيمان، بين
الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، بين العلم والعمل، بين أداء حقوق الله وحقوق عباده. وقدم تعالى أعمال القلوب، لأنها أصل لأعمال الجوارح وأفضل منها، وفيها دليل على أن الإيمان، يزيد وينقص، فيزيد بفعل الطاعة وينقص بضدها .
( لهم درجات عند ربهم ) أي منازل ومقامات ودرجات في الجنات كما قال تعالى (لهم درجات عند الله والله بصير بما يعملون ) ( ومغفرة) أي يغفر لهم السيئات ويشكر لهم الحسنات وقال الضحاك في قوله (لهم درجات عند ربهم) أهل الجنة بعضهم فوق بعض فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه ولايرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات العلى كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما )
(ورزق كريم ) وهو ما أعد الله لهم في دار كرامته، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.ودل هذا على أن من لم يصل إلى درجتهم في الإيمان وإن دخل الجنة فلن ينال ما نالوا من كرامة الله التامة.
جعلنا الله واياكم من الذين اتصفوا بهذه الصفات و من الذين اعد
الله لهم جنة عرضها السماوات والارض انه ولي ذلك والقادر عليه
أتمنى أن تكونوا استفدتم من هذه الايات الكريمات
ولكم تحياتي
المراجع : كتاب تفسير ابن كثير وكتاب تفسير السعدي