السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصدق مات...
للأستاذ/ سعد البواردي
قصة أعجبتني وأعجبت بصاحبها ؛ لأنها تحمل الصدق كل الصدق في أن الصدق مات؛ ولأنها تحمل التصوير الحي لتمثيل الحقائق في طابع فلسفي رائع ، إن صاحب القصة مواطن هنا في الرياض، أما القصة التي صورها فأحسن إبداعها ، هي أنه ذات يوم ، وكان الناس قد تهيأوا لصلاة الفريضة في أحد الـمساجد ، أتى بجذع نخل مكفن يشبه إلى حد كبير ، شكل الـميت وامتداده وطوله ، وبعد أن أنهى الـمصلون صلاتهم قام وحمل الـميت " الجذع " بين يديه وقدمه للإمام كي يصلي عليه الناس كعادتهم بعد كل فريضة ، وتمّت بالنسبة " للمرحوم " مراسم صلاة الجنازة 00 وحملها بين ذراعية ، وبين شفتيه ابتسامة كبيرة تحمل شيئًا من دهاء وسخرية، وحين سأله بعضهم عن صلته بالـمرحوم 00 و تقدّم إليه بعضهم معزيًا في مصابه لم يكن منه إلا أن أطلقها عبارة صحيحة فصيحة ملؤها المعاني والحكمة، إنها جنازة الـمرحوم " الصدق " لقد مات ، وصلينا عليه وسنقبره اللحظة ، فليهنأ الناس وليقولوا من الكذب ما شاء لهم القول ؛ فإنه لم يعد هناك صدق ليحاسبهم أو ليذكرهم بوجوده ،ما أروعها من حكمة نطق بها عاقل حكيم رغم ما يقول الناس عنه !
وبعد يا أخي ، لقد انقضت أعوام وانطوت بعد أن شيع جثمان الصدق إلى مثواه الأخير دون أن يترحم عليه أحد، ودون أن تشفعه عين بدمعة حزينة ، فماذا بعد كل هذا ؟ إنه الكذب ، إنها الأقسام الحانثة ، مواعيد عرقوب 0
إنها الأمانة التي انتزعت من بين أيدي الناس حتى لم نعد نحس بها ، وإلى أن بتنا نستهجن ذلك الصادق البريء ، ونصفه بالسقم ، بالغباوة وبالغفلة،إن الكذب بات فضيلة لدينا ! فضيلة ترفع في مقياس العبقرية الذكاء لصاحبه ، وصفةٌ مرهوبة الجانب تدفعنا إلى احترام ذلك البذيء طويل اللسان الفائض العبارات الـمخاتلة الخادعة ، أهذا هو الشرف أخي المواطن ؟ ألِـمِثْل هذا يأمرنا الدين وتدعونا الفضيلة ؟ ! أفي الإنسانية ؟ أفي الأخلاق ؟ أفي الـمثل العليا ما يدفعنا إلى التمسك بكل ما من شأنه أن يخضع حياتنا وصفاتنا للشيطان وما يدعو إليه الشيطان من كذب وسباب ونفاق وجدل ؟
!أقسم لك بالله أن شيئًا من هذا لا يقره الشرف، ولا يرضاه الدين 00ولا تستسيغه الفضيلة والإنسانية والأخلاق ، إن الصدق منجاة لي ولك من كل خطل وخطيئة ، فمن الصدق ألا أخونك ، ومن الصدق ألا أهينك ، ومن الصدق ألا أسيء إلى علاقتي بأحد ، ومن الصدق ألا أغمط حقًّا لإنسان أؤتمنت عليه وعلى رعايته ، ومن الصدق ألا أغمض جفنًا ملأته آلام الواقع بالنسبة للآخرين ، ومن الصدق أن نبدو بسطاء ووسطاء بين خصم وآخر تنازعتهما مشكلة، وأن نحلها بكل نزاهة وعدالة وقـــوة . تلك أطراف من الصدق، عناصر كلها تحوي ما يعنيه الصدق من فضيلة وسماح فهل افتقدنا كل هذه العناصر ؟ !هل ما تت جميعها وكفّنت مع جثمان " الـمرحوم " ثم أودعت القبر حتى لا ترى نور الشمس والحياة ؟ !
إنني في حيرة من واقع لا صدق فيه، وأكاد أقول بكل عقيدة وثبات: إنها ماتت دون أن يكون لها الأثر في واقعنا . فليرحمها الله، وليعفو الله عنا نحن الخاطئين ، فكم ظلمنا أنفسنا نحن وظلمنا مع أنفسنا الناس
وتقبلوا احترامي
الصدق مات...
للأستاذ/ سعد البواردي
قصة أعجبتني وأعجبت بصاحبها ؛ لأنها تحمل الصدق كل الصدق في أن الصدق مات؛ ولأنها تحمل التصوير الحي لتمثيل الحقائق في طابع فلسفي رائع ، إن صاحب القصة مواطن هنا في الرياض، أما القصة التي صورها فأحسن إبداعها ، هي أنه ذات يوم ، وكان الناس قد تهيأوا لصلاة الفريضة في أحد الـمساجد ، أتى بجذع نخل مكفن يشبه إلى حد كبير ، شكل الـميت وامتداده وطوله ، وبعد أن أنهى الـمصلون صلاتهم قام وحمل الـميت " الجذع " بين يديه وقدمه للإمام كي يصلي عليه الناس كعادتهم بعد كل فريضة ، وتمّت بالنسبة " للمرحوم " مراسم صلاة الجنازة 00 وحملها بين ذراعية ، وبين شفتيه ابتسامة كبيرة تحمل شيئًا من دهاء وسخرية، وحين سأله بعضهم عن صلته بالـمرحوم 00 و تقدّم إليه بعضهم معزيًا في مصابه لم يكن منه إلا أن أطلقها عبارة صحيحة فصيحة ملؤها المعاني والحكمة، إنها جنازة الـمرحوم " الصدق " لقد مات ، وصلينا عليه وسنقبره اللحظة ، فليهنأ الناس وليقولوا من الكذب ما شاء لهم القول ؛ فإنه لم يعد هناك صدق ليحاسبهم أو ليذكرهم بوجوده ،ما أروعها من حكمة نطق بها عاقل حكيم رغم ما يقول الناس عنه !
وبعد يا أخي ، لقد انقضت أعوام وانطوت بعد أن شيع جثمان الصدق إلى مثواه الأخير دون أن يترحم عليه أحد، ودون أن تشفعه عين بدمعة حزينة ، فماذا بعد كل هذا ؟ إنه الكذب ، إنها الأقسام الحانثة ، مواعيد عرقوب 0
إنها الأمانة التي انتزعت من بين أيدي الناس حتى لم نعد نحس بها ، وإلى أن بتنا نستهجن ذلك الصادق البريء ، ونصفه بالسقم ، بالغباوة وبالغفلة،إن الكذب بات فضيلة لدينا ! فضيلة ترفع في مقياس العبقرية الذكاء لصاحبه ، وصفةٌ مرهوبة الجانب تدفعنا إلى احترام ذلك البذيء طويل اللسان الفائض العبارات الـمخاتلة الخادعة ، أهذا هو الشرف أخي المواطن ؟ ألِـمِثْل هذا يأمرنا الدين وتدعونا الفضيلة ؟ ! أفي الإنسانية ؟ أفي الأخلاق ؟ أفي الـمثل العليا ما يدفعنا إلى التمسك بكل ما من شأنه أن يخضع حياتنا وصفاتنا للشيطان وما يدعو إليه الشيطان من كذب وسباب ونفاق وجدل ؟
!أقسم لك بالله أن شيئًا من هذا لا يقره الشرف، ولا يرضاه الدين 00ولا تستسيغه الفضيلة والإنسانية والأخلاق ، إن الصدق منجاة لي ولك من كل خطل وخطيئة ، فمن الصدق ألا أخونك ، ومن الصدق ألا أهينك ، ومن الصدق ألا أسيء إلى علاقتي بأحد ، ومن الصدق ألا أغمط حقًّا لإنسان أؤتمنت عليه وعلى رعايته ، ومن الصدق ألا أغمض جفنًا ملأته آلام الواقع بالنسبة للآخرين ، ومن الصدق أن نبدو بسطاء ووسطاء بين خصم وآخر تنازعتهما مشكلة، وأن نحلها بكل نزاهة وعدالة وقـــوة . تلك أطراف من الصدق، عناصر كلها تحوي ما يعنيه الصدق من فضيلة وسماح فهل افتقدنا كل هذه العناصر ؟ !هل ما تت جميعها وكفّنت مع جثمان " الـمرحوم " ثم أودعت القبر حتى لا ترى نور الشمس والحياة ؟ !
إنني في حيرة من واقع لا صدق فيه، وأكاد أقول بكل عقيدة وثبات: إنها ماتت دون أن يكون لها الأثر في واقعنا . فليرحمها الله، وليعفو الله عنا نحن الخاطئين ، فكم ظلمنا أنفسنا نحن وظلمنا مع أنفسنا الناس
وتقبلوا احترامي